من جديد.. قدمت الصحافة الرياضية المصرية دليلاً إضافياً على أنها ـ فى معظمها وباستثناءات قليلة جداً ـ صحافة لا تزال تقودها العاطفة وليس العقل.. صحافة الحب والكراهية وليست صحافة العقل والفكر.. فقبل انفجار أزمة أبوتريكة.. كانت هذه الصحافة قد وقعت فى غرام أبوتريكة ومارست معه الحب كثيراً وطويلاً..
وبالتالى لم تترك ميزة واحدة إلا وربطت بينها وبين نجم الأهلى الكبير.. فأصبح أبوتريكة هو القديس الذى كاد يترك مكانه وسط البشر ليقترب كثيراً وجداً من صفوف الملائكة الذين لا يخطئون.. وحين أخطأ أبوتريكة.. قررت الصحافة فى لحظة أن تمارس الكراهية حتى آخرها مع لاعب كانت قبل لحظات تمارس معه الحب دون حدود أو تحفظات..
وهكذا فى لحظة واحدة أصبح أبوتريكة هو الممثل والمنافق والمدعى.. وتحول نفس الشخص من تاجر للفرحة وللسعادة إلى رجل يتاجر بآلام أطفال السرطان.. ولم يعد هناك عيب واحد أو خطيئة واحدة إلا وتم إلصاقها عمداً بأبوتريكة.. وكان هذا التحول فاضحاً لكثيرين منا وكاشفاً لحقيقة بسيطة بقينا كثيراً وطويلاً نهرب منها.. وهى أننا فى معظمنا متطرفون فى مشاعرنا وفى كتاباتنا وفى أحكامنا أيضاً..
وأنا أدعو الجميع الآن لأن يعتزلوا مثل هذا التطرف وأن يمارسوا واقعية الفكر والتقييم والكتابة.. وبالتالى يعود أبوتريكة إلى الأرض إنسانا يصيب ويخطئ.. له ميزاته وعيوبه.. وحتى يحدث ذلك.. وهو سيحدث بالتأكيد مهما حاول البعض تعطيل ذلك..
فلابد من التوقف أمام هؤلاء الذين فاتهم.. فى غمرة صب غضبهم ولعناتهم على أبوتريكة.. أنهم قاموا بتشويه أهم أدوار أبوتريكة على الإطلاق خارج ملاعب الكرة.. وأقصد بذلك الواجب الاجتماعى الذى لابد أن يلتزم به كل لاعب كرة..
وإذا كنت لا أعرف كيف وأين وبأى شكل سيحتفظ تاريخ الكرة المصرية باسم أبوتريكة فى كتاب النجوم وما قدموه للكرة من باب الموهبة والإنجازات وإسعاد الملايين.. فإننى أثق بأن أبوتريكة سيدخل هذا التاريخ باعتباره أول نجم كروى يلتزم بالفعل بكل واجباته الاجتماعية سواء مع أطفال السرطان أوغيرهم.. وكنت ولا أزال أتمنى أن يصبح هذا الدور الاجتماعى لأبوتريكة قدوة للآخرين..
وأن يواصل الإعلام الرياضى المصرى ضغوطه من أجل ألا يبقى أبوتريكة مجرد استثناء هو وقليلون غيره.. وإنما يصبح ذلك هو القاعدة التى يلتزم بها ويحرص عليها كل النجوم.. من أجل أن تنجح كرة القدم المصرية فى كل حروبها ضد الفقر والألم والتخلف.. كنت ولا أزال أتمنى أيضا أن يراجع بعض زملائى أنفسهم خاصة أولئك الذين عايروا أبوتريكة بفقر أيامه الأولى وبيئته المتواضعة.. فأنا أرى فى هذا الفقر والتواضع وساما على صدر أبوتريكة ينبغى أن نشكره عليه لا أن نعايره به..
ومتى سيتوقف بعضهم عن هذا الأسلوب الفج فى معايرة نجوم الكرة.. أو الفن أو أى مجال آخر.. بفقر أيامهم وسنواتهم الأولى.. وما العيب فى فقر يتحول.. مع الموهبة والاجتهاد والإصرار والحلم والعطاء.. إلى ثراء وشهرة وحب الناس واحترامهم.